أنا المسافر فيكِ،
وأنتِ الطريق،
أنا الورد المزهر
على أغصانكِ،
وأنتِ الرحيق،
أنا ارتعاش الضوء
في ظلمة الغسق،
وأنتِ فجري الأنيق،
أنا ركلة جنين
على جدار رحمٍ،
وأنتِ الحمل الرقيق،
انا صهيل ضحكةٍ منسيةً
علي شرفة بيتكِ العتيق،
أنا صِبغة الحناء على يديكِ،
أنا طرحة تتمايل على رأسكِ،
أنا الحبيب والصديق والرفيق،
وأنتِ
أنتِ حلمي التائه منّي
أحياه منذ سنينٍ،
وآبى منه أن أستفيق.!!...

...إنك تكثر من الأسئلة الوقحة . لا يستدعي الأمر كل هذا الإهتمام ،لقد إنتهى كل شيئ... لوح معتز بيده ، وقف وهمّ بالإنصراف .أمسكه برهان من يده وسأله :
- إلى أين ؟
- لا يمكن أن تنتهي الأمور بهذا الشكل .
- قد لا نستطيع تغيير العالم .
- أحاول إنقاذ ما يمكن .

منهك ،يضغط على أصابع يده بتوتر .صداع جهة أذنه اليسرى كصوت ذبابة عاهرة حاد ومقرف. أسند ذراعيه إلى شجرة الكاليتوس الضخمة وصرخ بوجع مكتوم :
- أيها الوجع ألا تخجل تلاحقنا ،تنكل بنا ؟
-الألم لا يتحدث .
رفع رأسه ،نعم لقد سمع صوتا . الحديقة في هذه الساعة فارغة ،لا أحد يجرؤ و يدخلها ...
- الألم لا يتحدث .
إلتفت جهة نافورة الفارس المنتصب على جواده النافر،مغبر و قد تهشم جزء من وجهه .هل يمكن ان التمثال تحدث؟ لا الألم ملعون يصور لي أشياء تحدث . و قهقه حتى ان رأسه شد عليه...

فتح خزانته بعد إرتدائه بذلته،فتش عن قناع للمهمة الجديدة
،أقنعة كثيرة ومتنوعة لمختلف المهام . أحس بقشعريرة مالحة مج بصاقه ،صرخ بغضب ينادي خادمته:
-أنت أيتها الحقيرة .
- نعم سيدي .
- أين قناع الوطنية ؟
- لقد رميته سيدي ؟
امسكها من رقبتها ،يهم بخنقها .
- ماذا ؟ ماذا رميت؟
-كان يبد متسخا ومشوها .
-عليك اللعنة .
-لا ترتدي هذه المرة قناعا سيدي .
خار على أريكته ،امسك وجهه بين يديه
-لن يعرفني احد ،لقد إنتهيت بدون قناع....

فرك بوتشا عينيه ،لقد نام طويلا ليلة أمس . الأسئلة الشقية التي أربكته، دفعته إلى نوبة من النفرة ...ايتها الطريق الملعونة ! وضع هيجل على رف المكتبة ،لم يعد يطيق القراءة ،الليل يعجن أنفاسه ...اخذ نفسا من سيجارته البنية ،ارتمى على أريكته المختلفة ،لهذه الأريكة حدوثة طريفة . ذات يوم وبوتشا يتسكع تحت جسر سيدي راشد ،هناك يتحول الزمن إلى لوحة سريالية وقحة ،لم يعد للمكان رهبته ،حتى الزمن يفقد الكثير من رهبته ،المنازل الهشة التي ترتعش بخواء الغيبة ،الجدران كوجه شاحب لطفل يعركه السرطان ،العيون جاحظة ،متورمة...